اضطرت الحكومة الكويتية للانحناء أمام الواقع الاقتصادي الصعب الذي كان نتيجة لتداعيات الجائحة وتأثر البلد بتقهقر عوائد النفط بإقرار خطة لخفض المصروفات بموازنة 2021 في ظل النزيف المستمر للإيرادات ما يعكس تقلص هوامش توفير السيولة في ظل رفض البرلمان اللجوء إلى الاقتراض.
الكويت - دفعت الأزمة المالية الحادة دولة الكويت إلى إقرار خفض الإنفاق تحت ضغط تضرر الاقتصاد من تراجع عائدات النفط وتبعات الأزمة الصحية في وقت تشتد فيه الحساسية الاجتماعية من أي مساس بالدعم والوظائف.
وأمر مجلس الوزراء الكويتي جميع الجهات الحكومية بخفض الإنفاق من ميزانية العام المالي 2021 – 2022 بما لا يقل عن عشرة في المئة، حيث تلتهم المصروفات التشغيلية نحو 87 في المئة من إجمالي الميزانية.
وقال المجلس في بيان مساء الاثنين الماضي إنه اتخذ هذا القرار بعد دراسة توصيات من لجنة الشؤون الاقتصادية بشأن نقص السيولة في الاحتياطي العام والحاجة إلى إيجاد حلول جذرية لمواجهة العجز في موازنة الدولة.
وتتضمن الخطوة إعادة النظر في لائحة أسعار إيجارات وأراضي ومباني أملاك الدولة بعد أن درس توصية لجنة الشؤون الاقتصادية بشأن نقص السيولة في الاحتياطي العام.
كما يشمل القرار تكليف الهيئة العامة للقوى العاملة بدراسة إمكانية وقف صرف دعم العمالة المحلية للعاملين في القطاع الخاص لمن يبلغ إجمالي راتبه ثلاثة آلاف دينار (9993 دولارا) وما يزيد.
وقرر المجلس كذلك إنشاء لجنة لحوكمة التصنيف الائتماني السيادي بقيادة وزارة المالية وعضوية البنك المركزي والهيئة العامة للاستثمار (الصندوق السيادي) والأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية.
وتمر الكويت في الوقت الراهن بواحدة من أقسى الأزمات المالية، حيث تم استنزاف معظم السيولة في صندوق الاحتياطي العام للدولة بسبب هبوط أسعار النفط والتداعيات التي خلفها انتشار فايروس كورونا، إلى جانب التزام البلد الخليجي باتفاق أوبك+ لخفض الإنتاج.
وتتضمن الميزانية العامة للدولة للسنة المالية الحالية التي تنتهي في مارس المقبل مصروفات قدرها 23 مليار دينار (76.1 مليار دولار) وإيرادات 10.9 مليار دينار (36.3 مليار دولار).
ويبلغ العجز المتوقع 12.1 مليار دينار (40.3 مليار دولار)، وهو ما يقل بنسبة 13.8 في المئة عن العجز المستهدف في ميزانية السنة المالية الماضية.
وسجلت الكويت أعلى عجز فعلي في الميزانية العامة خلال السنة المالية الماضية إذ بلغ 36 مليار دولار. وكانت الحكومة قد سجلت ثاني أكبر عجز خلال السنة المالية 2015 – 2016 حينما بلغ آنذاك 20 مليار دولار.
ويرى محللون أن الحكومة الكويتية لن تستطيع في فترة قصيرة معالجة العجز المالي إلا من خلال ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية التي لا تزال تتراوح بين 70 و75 دولارا للبرميل.
ويقولون إنه لا توجد خيارات أخرى لأن مجلس الأمة (البرلمان) قد يعترض على أي إجراءات فيها توجه إلى رفع الرسوم وإقرار الضرائب أو حتى اللجوء إلى أسواق الدين ولذلك فإنه إذا لم ترتفع أسعار النفط سيزيد العجز وستزيد الحاجة إلى إقرار الدين العام.
وتبلغ فاتورة الرواتب السنوية والدعم في الميزانية الحالية نحو 71.6 في المئة من إجمالي المصروفات في الميزانية الحالية بينما من المتوقع أن تبلغ نسبة المصروفات الرأسمالية 15 في المئة.
وتظهر أرقام الإدارة المركزية للإحصاء الكويتية أن عدد الكويتيين العاملين في القطاع الحكومي يبلغ أكثر من 323.3 ألف مواطن ويتراوح متوسط الراتب الشهري للفرد 1520 دينارا (نحو 4850 دولارا).
أهم قرارات الحكومة
- خفض المصروفات بنحو 10 في المئة.
- إعادة النظر في لائحة أسعار إيجارات وأراضي ومباني أملاك الدولة.
- إنشاء لجنة لحوكمة التصنيف الائتماني السيادي.
- وقف صرف دعم موظفي القطاع الخاص لمن راتبه 9993 دولارا فما فوق.
وتمت المصادقة على مسودة الميزانية على أساس 45 دولارا كمتوسط لسعر برميل النفط ومعدل إنتاج 2.4 مليون برميل يوميا، بينما يحتاج التعادل بين المصروفات والإيرادات إلى سعر قدره 90 دولارا للبرميل.
وكان وزير المالية خليفة حمادة قد قال عقب تقديم مسودة ميزانية السنة المالية الحالية أمام مجلس الأمة في يناير الماضي إن “حجم أصول صندوق الأجيال في نمو مستمر” لكن صندوق الاحتياطي العام يعاني من تحديات جوهرية في السيولة.
ونتيجة لهذه الأزمة أصبح من العسير على الحكومة المضي قدما في كثير من المشاريع الرأسمالية ومشاريع البنية التحتية. ومع ذلك أشار حمادة إلى أن “السلطة التنفيذية ملتزمة بتنفيذ مشاريعها التنموية وتحفيز النمو الاقتصادي”.
وتكشف البيانات والمؤشرات أن الاقتصاد الكويتي يشهد نزيفا مستمرا حاولت الحكومة تخفيفه عبر خطوات لخفض النفقات لسد الفجوة المالية ولكن خبراء يرون أن سياسة التقشف لا تتعدى كونها حلا ترقيعيا.
ومن المرجح أن يزيد إقرار الحكومة بخفض النفقات مخاوف الأوساط الاقتصادية والشعبية الكويتية من تقلص هوامش توفير السيولة وبداية فقدان انفلات الموازين المالية ما يعزز التوجه نحو مراكمة دين خارجي جديد وهو ما يرفضه البرلمان.
ولطالما أكد خبراء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن تعافي أسعار النفط لن يكفي لسد العجز في موازنات دول الخليج التي تعتمد بشكل أساسي على الإيرادات النفطية، وهو ما يحتم عليها مواصلة إجراءات خفض الإنفاق.
وخفضت وكالة ستاندرد آند بورز الشهر الماضي تصنيف الكويت درجة واحدة بسبب الافتقار إلى استراتيجية لتمويل عجز ميزانية الحكومة المركزية الذي قُدر عند نحو 33 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية الماضية.
وتواجه الكويت مخاطر سيولة بسبب عدم تفويض البرلمان الحكومة للاقتراض من الأسواق الدولية خشية الدخول في متاهة قد لا يستطيع البلد الخروج منها.
ولم تصدر الحكومة الكويتية أدوات دين دولية منذ العام 2017 لتمويل الإنفاق لانتهاء العمل بقانون الدين العام ولجأت عوضا عن ذلك إلى مصادر بديلة للتمويل مثل مبادلة أصول بين صندوق الثروة السيادي الضخم والخزانة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق