• googleplus
  • youtube


اخر الاخبار
اخبار محلية
الثلاثاء، 14 مارس 2023

المسامح كريم

المسامح كريم . 


بقلم /الاستاذ نشوان ذنون عبد الله. 

كان ذلك قبل أكثر من ( ١٢ ) عام في شهر آب اللهاب من سنة ٢٠١٠ في الجانب الأيسر من مدينة الموصل الحبيبة .
حيث وقفنا على شفير القبر و قلوبنا تتقطع على أولاده . وهم يبكون و يحثون التراب بأيديهم على أغلى ما يملكون . ثم بعد أن إنتهينا من إستماع التلقين و الدعاء . قال ولده البكر وهو (يشهق) يا جماعة الخير . من كان له حساب أو دين أو مال على أبي فاليقل الآن فأنا إبنه و سداد لأي مبلغ مهما كان . أرجوكم أن تُبرِئوا ذمة أبي و تجعلوها في رقبتي إن كان هناك دين . فصاح الجميع بأصوات موحدة و متفرقة ( محالل و موهوب ) هنا و بصوت الحاضرين . هدأت قليلاً نفوس أولاده و سكنت عبراتهم و إرتاحت قلوبهم . بطمأنينة التبرئة و إخلاء الذمة . شاركت أولاد المرحوم مصابهم بالمصافحة و التقبيل و الدعاء . وقررت الذهاب عليهم مرة ثانية لتقديم واجب العزاء . و للتخفيف بكلمات طيبة عن مصابهم بفقد والدهم . تفرق الجميع بسرعة و ركبوا سياراتهم و كأنهم يهربون من موقف لا يأتي عليهم و لن يجربوه . كنت آخر من خرج من المقبرة بعد أن زرت عدة قبور متفرقة لأسلم على أصحابها و أهديهم أجر الدعاء و نور سورة الفاتحة .
أكملت مهمتي و في طريق الخروج من الباب الرئيسي للمقبرة أشار لي رجل كبير السن على أبواب الثمانين من العمر . على هيئته الوقار . فتوقفت بقربه . فقال لي الى أين طريقك يا ولدي . فقلت له الى الجانب الأيمن الى حي الرفاعي . فقال لي أنا على طريقك هل تتكرم علي و تقلني معك . فقلت له بالطبع . تفضل يا عماه . حباً و كرامة و على رأسي . فما أن صعد حتى قال لي . تعرف المرحوم . فقلت له شخصياً لا . لكنه أبو صديقي . فقال لي الرجل الكبير . إنه هو صديقي من أيام الفتوة و القوة و الشباب منذ أكثر من (٦٠) عام كنا لا نترك بعضنا . ولكن أصبح بيني و بينه سوء فهم و ( جفوة ) منذ أكثر من (٥٠) عام . فضاع بيننا الكلام و السلام . و الود و الوئام و لم نعد نلتقي إلا في المناسبات الرسمية و بالصدفة أحياناً كل ثلاث أو أربع سنوات إما بواجب عزاء أو في الطريق نلتقي كالغرباء و نسلم على بعضنا بالإشارة ببرود و بدون أي مشاعر للود و المحبة . وفي عيوننا نظرات الزعل و اللوم و العتاب . فقلت له ( لماذا ) يا عم . فقال لي . ياولدي كلمة ( غبية ) قصدي ( غييبة ) كاذبة سمعها عني من مرجف . فلم يدافع فيها عني . بل ساعد على نشرها بدون وجه حق حتى شوهت سمعتي . كلمة جرحتني في كرامتي . و الذي أحزنني أكثر بأن صديقي الصدوق كان لسانه أَحَد علي من السيف في ذبحي . المهم يا ولدي . تركته لكني لم أعذره . الناس بسطاء (تحالل و تواهب) في المال . و لكن من يحالل و يواهب و يبريء الذمة في تشويه السمعة و الغيبة و النميمة و الكلمة الخبيثة . فقلت له . أرجوك يا عم أسكت كلامك (جديد و يرعبني) . فقال لي . و هو يبتسم طبعاً هذا حال من لم يبكي من الظِلم في الظُلم . و هو بريء و تكال له التُهم . يا ولدي . إن الله سبحانه وتعالى . قد حذرنا من الغيبة و النميمة و البهتان و قول الزور و قذف المحصنات . و هذه الحقوق ليست ( مادة ) لنتنازل عنها . إنها ( نفس ) تحب و تكره . تخاف و تفرح و تهاب أن تجرح . و تتقلب بين الرضا و السخط . مهما بلغ بك العمر فنفسك نفس طفل . تشتهي و ترغب . و تود أن تركض و تلعب . ولكن البدن لا يعينها . يا ولدي لا أحد يرضى بالظلم حتى و إن سكت . فلك ضمير يحاسبك على حق نفسك إذا ضيعته . ولك دين ينصحك بالصبر و السكوت و الأجر . (تسكت) من أجل أن تلملم شعث أي موضوع فلا يتبعثر في أفواه الحاقدين أو (المتبلدين) . و لك يوم حق تقف فيه أمام علام الغيوب لتؤخذ الحقوق و ترد المظالم الى أصحابها . فقلت له يا عم أرجوك . فأين كظم الغيض و العفو عند المقدرة و الإحسان من أجل نوال حب الله سبحانه وتعالى . فقال لي و هو يبتسم . ما أقوله يا ولدي ليس غضب ساعة و يزول . إنها دموع سنين طويلة . من عذابات مريرة . خضنا فيها تجارب عسيرة . في غمار هذه الحياة البائسة الفقيرة . التي لا تنقضي مصاعبها في تربية نفوسنا العليلة حتى نموت و يوارونا الثرى و كل واحد فينا يلقى مصيرة . فالحق لا يموت مع صاحبه . بل يبقى في كتاب محفوظ . يا ولدي لو فرضنا أنك قلت لي كلمة جارحة و مضيت . ألا تعلم كم سأبقى أتعذب و ربما أبكي و أنا أحاول أن ألم نزيف جراحات ما قذفتني به من كذب أو لؤم أو خبث . فقلت له يا عم أرجوك . ألم (نحلل و نواهب) و نعاهد الله على براءة الذمة . فقال لي و هو يبتسم . قلت لك هذا في المال يا ولدي و باللسان . ولكن الذي في القلب في القلب . والله سبحانه وتعالى يعاملنا على ما في القلب لا على ما في اللسان . فاللسان يقدح و يكذب لكن القلب هو الصادق الذي يتقلب بين يدي الله سبحانه وتعالى . هنا قال لي . يا ولدي شكراً لك وصلت مكاني . فركنت السيارة . وقلت للرجل يا عم أرجوك قبل أن ترحل أجبني . لماذا أتيت الى المقبرة . هل من أجل التشفي . هنا شهق وقال لي . لا . لا والله أستغفر الله . من يتشفى بالموت مريض نفسي . ولكني والله سمعت متأخر بوفات صديقي القديم و الحمد لله حضرت مراسيم الدفن متأخر . وجئت لأدعو له بالرحمة و المغفرة بلا عتاب و لا حساب . ودعوت الله سبحانه وتعالى . أن يسامحه و يعفو عنه و يغفر له ما كان منه لي معي . ففي قلبي محبة و ذكريات جميلة لأيام شبابنا . فقلت له  . الحمد لله يا عماه أرحتني  . فإبتسم وقال لي يا ولدي صدقني منذ ( ٥٠ ) عام و أنا ساكت عن حقي . واليوم أنا جئت ( لأسامح ) . و رغم ذلك لا تصدق أن الله سبحانه وتعالى لن يأخذ حقي في الغيبة والنميمة و البهتان و قذف المحصنات الذي كان . يا ولدي خذ هذه النصيحة مني . لا يوجد فقرة في قانون العدل الإلهي تقول ( القانون لا يحمي المغفلين ) بالعكس  ( إن قانون عدل الله سبحانه وتعالى  . وجد من أجل حماية المغفلين أمثالي ) في يوم من الأيام . كنت أنا حديث المجالس و التندر والفكاهة كذباً على سمعتي و كرامتي . من قال كلمة يكون مسؤولاً عنها أمام الله سبحانه وتعالى . و قد أوصانا بعدم التجسس و لا يغتب بعضنا بعضا .
لقد أكلو لحمي ميتاً . (أنا سامحت) . ولكن العفو بيد الله سبحانه وتعالى . هو الحاكم العادل . فقلت له لم نتعارف يا عماه . فقال لي . نصيحتي لك ( أوجب من إسمي ) . إياك و الغيبة إياك و النميمة إياك  إتهام الناس بالباطل و للتندر و الفكاهة على سمعتهم . إياااااك و قذف المحصنات . إياك و الإستهزاء بكرامة العباد . فلهم رب عادل لا يرضى بظلم عبادة . فقلت له ياعم قبل أن نفترق ( ٥٠ ) عام  . ألم تكن كافية لغسل القلوب و تكفير الذنوب و المصالحة و أنتم أحياء . فقال لي . ( ٥٠ ) عام من الزمن من الألم من الهموم و الندم . ليس لها قيمة في قياسات الحب و الكراهيه و في حسابات العدل و الظلم . كل حياتنا مهما بلغت أعمارنا فيها . فهي لمحة من عمر الزمان . لا يعرف الألم إلا من يذوقه ولا ينام الليل إلا من يكابده . إسأل المريض عن العافية و السجين عن الحرية و اليتيم عن والديه . أنت تسألني العفو و المصالحة من باب الراحة . يا إبني ( أنا سامحت ) و عفوت . ولكن إعلم أن بكاء (العدادة المؤجرة) ليس كبكاء ( الأم الثكلى ) . الله يسامحنا و يسامحوا . 
في أمان الله يا ولدي . السلام عليكم .
فقلت له . و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته . تم
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: المسامح كريم Description: Rating: 5 Reviewed By: وكالة بصمة للاخبار
Scroll to Top