جملة معتادة تقولها أمي كل يوم :"شوف الهدوم اللي ورا الباب اللي مش عايزينه شيلوه".. لا أعرف لماذا اليوم قررت الاستماع إلى تلك النصيحة، وأنا أتمتم أن ثمة مسمار مسن خلف الباب قد بات يحمل مالا يتحمله وبرغم ذلك لم يضجر لا هو ولا غيره خلف الكثير من الأبواب... شعرت بأنه يمدد طوله بعد انعوجاج ويتنفس هواء لسنوات حجبته ملابسنا عنه.. لم أحدد تماما إذا كان يبكي أم يضحك أم يعاتب..!
لكني تسمرت خلف الباب، وتذكرت أن ثمة عداوة نشأت بيني وبينه منذ سنوات حينما ثقب الكرة الجلدية دون مبرر، وأن واحدا من بني جنسه أدمى قدمي وأخر اتلف إطار دراجتي.. وحينما قررت الانتقام واستطعت أن أمسك الشاكوش فر أحدهما برأسه فضربت إصبعي.
كنت أرى مجتمع المسامير عبثيا يعربد في تفاصيل الحياة يستبيح الأرض والأماكن.. ينام حيث يشاء.. لماذا يكن لي العداء؟.
إجابات متعددة لم تكن كافية، منها طرده من البيوت لكبر سنه وانحناء ظهره، أو لتفاقم مشاكله مع" الخشبة" إلى حد لم تعد الحياة بينهما ممكنة وبات ضجرهما يزعج أهل البيت، أو لتعافي الجدار وأخذ ثأره من "المسمار"، أو لأنه لم يواكب التطوير فحلت محله المواد اللاصقة، فلم يعد له مكان إن كان حديث السن غير رميته على "الرف" كضيف ثقيل على البائع، علا حداثة سنه تسعفه في البيع، وإما كبيرا يتغاضى مثلي عن عداوته التي كانت بلا سبب فيضعه بقية عمريهما في علبة أو صندوق، أو يرميه آخر غير مبال في الشوارع فلا يفرق بين أطيط النعال وربما يؤذي من كان حنونا عليه يوما ما ولم يدق رأسه.. أو يستغله السيئون من أصحاب محال الكاوتشوك الأحذية فيزرعونه في الشوارع ليطرح لهم منفعة ولنا شرا.. أو لو كانت المسامير تموت ألم يكن ذلك أفضل!..
تمتم المسمار خلف "الباب" : يا صاحب المشكلة.. لست أنا سبب المشكلة بل سببها الصانع!".
كيف..!
حين بدأ هذا الصانع في خلق مجتمع المسامير، كانت الفكرة قائمة على" الترابط".. خلق مسمار بصامولة" زوج وزوجة".. وربما أبناء" وردة أو وردتين أو ثلاثة... "، وكانت المهمة" الترابط".. جبر ما كسر أو شد عضد ما انفصل، لكن جشع التاجر وطمعه في تحقيق مكاسب مضاعفة، جعله يزرع الفرقة فباعني منفردا وباع نسائنا جواري ولم تسلم من أذاه "وردة"، فتغيرت المهام وانفلت الزمام وتحولت مهمة "الارتباط" إلى" انفصام".. وبات مجتمع المسامير بلا هوية ولا هدف وتنامى شعور ورغبة الانتقام.. لسنا نحن الجناة فلا تسألنا عن الضرر بل اسأل من حرف الصنعة وغلبه الجشع ووضع الإنسان بين المطرقة والسندان.
أو ليس هناك من حل!
أي حل هذا الذي تبحث عنه بعدما تاهت الحقوق!.. حقي أنا.. أم حقك أنت!..أم حق الأيادي التي سالت دمائها!.. أم حق الكرة والإطار والملابس والأخشاب والأحباب والأصحاب والأبواب.. أي حق هذا الذي تبحث عليه بين مجني عليه ومجني عليه.. حقوقنا عند التاجر.. وإن متنا فإن الحقوق لا تموت.
ضع يا هذا على رأسي مرة أخرى الملابس.. فحملها أخف وطأة من دق المطارق على الرؤس.
0 التعليقات:
إرسال تعليق