فواكه استوائية في أرض جافة
تسعى الإمارات إلى تحقيق اكتفائها الذاتي من الغذاء والتقليل من الاعتماد على الاستيراد، من خلال تشجيع المزارعين ودعمهم على تبني الزراعة الذكية، التي يمكن أن تحوّل الصحراء القاحلة إلى بساتين غنّاء تنتج الخضار والبقول والفواكه وحتى الحليب والسمك.
دبي - في قيظ شهر أغسطس وسط صحراء دبي، تنمو نباتات خضراء وسط مزرعة ذكية في مشهد غير معتاد، بينما تسعى الإمارة الخليجية إلى تعزيز أمنها الغذائي من خلال التركيز على إنتاجها الذاتي، وخصوصا بعد الإغلاق الناجم عن تفشي فايروس كورونا المستجد.
ومع الإجراءات المتخذة في مختلف الدول لمكافحة انتشار الجائحة الوبائية وتأثيرها على سلاسل الإمدادات حول العالم، ينظر كثيرون إلى إمكانية زيادة دور المزارع المحلية في تزويد السوق باحتياجاتها.
في مزرعة “البادية” وسط دبي تنمو نباتات ورقية من بينها أنواع مختلفة من الخسّ والكرنب والريحان بشكل عمودي تحت أشعة وردية اللون، باستخدام تقنية الزراعة المائية الرأسية التي تعتبر ذات جدوى اقتصادية فعالة، خاصة أن معدل إنتاجها يتجاوز 300 في المئة.
ويمتاز هذا النوع من الزراعة بالكفاءة العالية في خفض كميات المياه المستخدمة، لري محاصيل الخضار بنسبة توفير تصل إلى 70 في المئة حسب نوع المحصول الذي تتم زراعته، مقارنة بالمياه المستخدمة في الزراعة الحقلية، بالإضافة إلى الكفاءة العالية في استخدام الأسمدة، والزيادة الكبيرة في الإنتاج نتيجة تحسين نمو النباتات، وزيادة المحاصيل الزراعية في السنة، بالإضافة إلى التخفيض في استخدام المبيدات الكيمياوية بشكل كبير، قصد تلافي مشكلات التربة باستخدام محدود ومنظم للمبيدات، ممّا ينتج عن ذلك ارتفاع جودة المحصول وحماية البيئة.
ويؤكّد مدير المزرعة باسل جمال، أن المشروع يشكل “ثورة زراعية في قلب الصحراء” مؤكدا “نقوم بالإنتاج صيفا وشتاء بشكل متواصل”.
ويقول جمال، “نمنح النبتة كميات الإضاءة والرطوبة التي تحتاجها، وكذلك الحرارة والمياه”، ويتابع مازحا “مثل فندق خمس نجوم”.
ويشير إلى أنه في دبي، “لدينا ستة أشهر في السنة من الصعب جدا فيها الزراعة خارجا”، موضحا، “يجب أن يكون كل شيء قابلا للتحكم”.
وتقوم المزرعة بإعادة تدوير 90 في المئة من المياه التي تستخدمها، وتنتج مئات الكيلوغرامات سنويا بهدف تغطية احتياجات السوق المحلية.
ويؤكد جمال، أن هذه الطريقة المستخدمة هي ”مستقبل الزراعة”، مضيفا، “لا نرغب في أن نعتمد على الاستيراد. نرغب في أن يكون لدينا إنتاج محلي على مدار العام بغض النظر عن التغيير المناخي أو الطقس أو الأمطار أو الجفاف”.
الإمارات تستورد نحو 90 في المئة من الغذاء وتسعى إلى زيادة الإنتاج المحلي للتقليل من اعتمادها على الخارج
ومزرعة “البادية” واحدة من عدة مزارع في إمارة دبي تسعى إلى تعزيز الإنتاج الزراعي الذاتي.
وفي الإمارة أيضا، يقوم عبداللطيف البنا بزراعة الأناناس باستخدام تقنية الزراعة المائية داخل أربعة بيوت بلاستيكية في مزرعته بمنطقة العوير.
ويبيع البنا محصوله من الأناناس الذي يصل إلى أربعة آلاف حبة أناناس سنويا عبر الإنترنت.
وبالإضافة إلى الأناناس، يقوم البنا بزراعة أنواع مختلفة من الفاكهة والخضار وحتى القمح في أشهر السنة الأقل حرا، لإنتاج ما يكفيه هو وأسرته. ويعرب عن أمله في أن يقوم آخرون بالأمر ذاته.
والزراعة الذكية واحدة من عدة مبادرات تبنتها الإمارات منذ سنوات من خلال تقديم الدعم المادي للمزارعين لإنشاء أنظمة الزراعة المائية وتوفير مستلزمات الإنتاج بنصف السعر، وتشمل هذه المواد؛ الأسمدة والمبيدات والبذور والبيوت المكيفة، المحمية والمغطاة بالشبك، ما زاد من اهتمام المزارعين بهذه التقنية، وقد نتج عنها في السنوات الأخيرة زيادة في المساحات، وعدد البيوت المزروعة من دون تربة، لتعزيز الإنتاج المحلي، ومن بينها إقامة مزارع لسمك السلمون وتطوير الإنتاج الذاتي من الألبان ومشتقات الحليب في مزارع محلية. وتستورد دولة الإمارات نحو 90 في المئة من حاجاتها الغذائية وفق الإحصاءات الرسمية، لكنها تسعى إلى زيادة الإنتاج المحلي للتقليل من اعتمادها على الخارج.
وتقدّم تصنيف الإمارات على مؤشر الأمن الغذائي العالمي بعشر مراكز في عام 2019 لتحتل المركز العاشر عالميا.
وهناك توجه للتركيز على أسلوب الزراعة الذكية لتجاوز التحديات التي تواجه الزراعة في البلاد، ومنها الحرارة الشديدة وقلة الأراضي الزراعية بالإضافة إلى ندرة المياه.
وكانت الإمارات قد بدأت قبل أكثر من عشر سنوات بشراء أو استئجار أراض زراعية في الخارج خاصة في شرق أفريقيا من أجل تأمين احتياجاتها.
السمك يتنفس في الصحراء
وبعد الإغلاق لمكافحة تفشي فايروس كورونا المستجد، تسعى دبي إلى التركيز على إنتاجها الزراعي الداخلي.
ووضعت الإمارة خطة لزيادة الطاقة الإنتاجية المحلية للموارد الغذائية بنسبة 15 في المئة عام 2021، بحسب رئيس لجنة الأمن الغذائي في إمارة دبي عمر بوشهاب.
وقال بوشهاب، إنه سيتم أيضا “تعزيز مجالات التكنولوجيا واستخدامها في الإنتاج الغذائي بنسبة 30 في المئة لنفس العام”.
ويؤكد بوشهاب، أن الإمارة “ستحرص على توفير مخزون استراتيجي بمعدل من 3 إلى 6 أشهر لواحد وعشرين منتجا أساسيا”.
ويقول، إنه “سيتم تمكين التكنولوجيا والتغلب على الظروف المناخية القاسية في إمارة دبي بنسبة 30 في المئة بتعزيز الإنتاج الزراعي”، مؤكدا على وجود “بوادر قامت بها الإمارة لتعزيز الإنتاج المحلي للمزارعين”.
وبفضل اقتصادها الأكثر تنوّعا بين دول الخليج والشرق الأوسط، وبنيتها التحتية الحديثة، أصبحت دبي في السنوات الأخيرة محطّة مهمة للنقل الجوي ومركزا ماليا ووجهة سياحية وهي تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
ومع حلول أزمة فايروس كورونا المستجد، لم تخلُ رفوف المحلات التجارية من بضائع مختلفة من بينها الخضار والفاكهة.
حتى أن دبي قامت في ظل تدابير الإغلاق بإعادة تصدير بعض الخضار والفاكهة إلى دول في الخليج والمنطقة.
وفي سوق الخضار والفواكه “فرش ماركت” بالإمارة، ينكب العمال على تخزين آلاف الأطنان من أنواع مختلفة من الفاكهة المستوردة قبل توزيعها.
ويقول الرئيس التنفيذي لفرش ماركت رضا المنصوري “دبي تملك بنية تحتية متطورة ومخزونا هاما”، مضيفا “لدينا مخزون استراتيجي يكفي دولة الإمارات وحتى الدول المجاورة”.
0 التعليقات:
إرسال تعليق