• googleplus
  • youtube


اخر الاخبار
اخبار محلية
الأحد، 8 أكتوبر 2023

من داخل "بنك البذور".. " وكالة بصمة للاخبار " تنشر جديد الأبحاث الزراعية: القمح المقاوم للجفاف.. ملاذ الجزائر لتحقيق السيادة الغذائية


من داخل "بنك البذور".. " وكالة بصمة للاخبار " تنشر جديد الأبحاث الزراعية:
القمح المقاوم للجفاف.. ملاذ الجزائر لتحقيق السيادة الغذائية

منذ  تأسيس بنك البذور  الجزائري في شهر أوت 2022 ، ومع تصاعد الحروب والتوترات الجيوسياسية والأزمات الاقتصادية والتغيرات المناخية القاسية، ينكبّ باحثون في «الجزائر الجديدة»، على تطوير أصناف زراعية أكثر مقاومة للجفاف، عملا بتوجيهات الرئيس الجزائري  الذي جعل من الأمن الغذائي للجزائريين شغله الشاغل.
وضمن رؤية السلطات العليا، وإيمانًا بإرادتها الجادة في المرافقة وتذليل كل العقبات، انخرط مئات المزارعين عبر عدّة ولايات من الوطن، في اقتحام التحدّي، من خلال تجارب فلاحية نموذجية لزراعة بذور حبوب مُقاومة للجفاف، خصوصا في ظلّ الإجهاد المائي الذي تعانيه بعض المناطق.
ومكّنت العمليّة التطويرية حتى الآن من رفع مردودية المحاصيل إلى80 قنطارا بالهكتار الواحد، لأوّل مرّة، »الشروق»، رافقت المسيرة عبر كل مراحلها من المختبر البحثي التجريبي إلى ميدان التطبيق الفلاحي، لتنقل تفاصيل النجاح وآفاق الطموح المفتوح على رهانات بعيدة.
لم يتردّد الخمسيني لعياشي بشير، وهو تقني سام بالفلاحة ومُكثّف بذور بولاية برج بوعريريج في خوض تجربة جديدة لتطوير محصول القمح بمزرعته، الكائنة ببلدية الحمادية الريفية جنوب الولاية، فقلة تساقط الأمطار هناك منذ سنة 2017، دفعتهم كمهنيين إلى اختبار سلالات من البذور، أكثر مقاومة للجفاف ولا تتطلب سقيا تكميليا.
كل ذلك، كان بمرافقة المعهد التقني للزراعات الواسعة بولاية سطيف، التابع لوزارة الفلاحة والتنمية الريفية، عبر زراعة حقول تبيانية- مربعات صغيرة داخل المزرعة للتجريب- وشملت هذه العملية مختلف أصناف الحبوب مع التركيز على القمح الصلب، وهو المنتج الأكثر طلبا في الجزائر.
وفوجئ بشير بعد ضمان المسار التقني اللازم للعملية، بنجاح التجربة وبلوغ محصول يعادل 80 قنطارا من القمح الصلب في الهكتار الواحد، لأول مرة، مقابل استهلاك أقل بكثير للمياه وجودة عالية للمنتج.
هذا الأخير، قام بزراعة صنف البذور الجزائري المسجّل لدى بنك البذور، تحت تسمية «محمد بن بشير»، وهو نوع قديم مقاوم للجفاف وأيضا للأمراض، كما جرّب أصنافا أخرى تحت تسمية «الهضبة» و»بي دي17»، ونوعا آخر متداولا منذ حقبة ثورة التحرير في الجزائر يحمل تسمية «البليوني».
وإضافة إلى ذلك، أجرى بشير محاولات لزراعة بذور مسجّلة حديثا بتسميات مختلفة، فبعض الأصناف مقاومة للجفاف ولكن مردوديتها متوسطة وأصناف أخرى مقاومة للأمراض، في حين إن هنالك بذورا من نوع ثالث، تضمن مردودية عالية مقارنة مع غيرها.
وللتمييز بين كل هذه الخصائص، يُقدّم مهندسو المعهد وباحثون من جامعة برج بوعريريج التوجيهات اللازمة للفلاحين، منذ بداية العملية، حيث يتواجد هؤلاء في الحقول إلى جانب المُزارع لآخر مرحلة وهي حصد السُنبلة.
ومع بداية موسم جديد، يستعدّ المُزارعون للبذر شهر نوفمبر المقبل، وهي أهم مرحلة في المسار التقني الفلاحي، وكلهم أمل في تحقيق محاصيل أعلى من تلك التي تم حصدها في السنوات الماضية، يجزم المتحدّث في إفادة لـ»الشروق»، وهذا لن يتجسّد _ يضيف بشير _ إلا باستخدام التكنولوجيا مرة أخرى، والبحث عن أصناف جديدة من البذور قادرة على تحمل واقع التغيرات المناخية والجفاف والأمراض والأوبئة، وتحقيق مردودية عالية ونوعية ممتازة للحبوب.

من المُختبر إلى الحقل!
وبالمركز الوطني لمراقبة البذور والشتائل وتصديقها بالحراش بالجزائر العاصمة، يتم تسجيل كافة أصناف البذور الجديدة المتعلقة بالحبوب، سواء القمح الصلب أم اللين وحتى الشعير والخرطال أو الشوفان والتريتيكال، عبر تدوينها في الفهرس الوطني للبذور.
ويتم تحصيل هذه الأصناف بعد تجارب طويلة وأبحاث دقيقة تُساهم فيها مراكز بحث متعددة، بإشراف وزارة الفلاحة والتنمية الريفية، على غرار المعهد التقني للزراعات الواسعة والمعهد الجزائري للبحث الزراعي، حيث تقول مديرة المركز الوطني لمراقبة البذور، زكية شرقي ملاح، في لقاء مع «الشروق»:«كثيرا ما تشتغل هذه المعاهد على مشاريع مشتركة لتطوير أصناف جديدة، وتُحقّق نتائج إيجابية جدا، تُمكّن من الحصول على بذور مقاومة للتغيّرات المناخية».
وتُشدّد المتحدّثة على أن الوصول إلى نتائج مرضية يفرض القيام بأبحاث عدّة، عبر استخدام تقنيات ميدانية أو حتّى التهجين، مع ضمان تواصل التجارب بشكل مستمر، قائلة: “عند بلوغ صنف معيّن من البذور، لا يتم
تسجيله بالمركز إلا بعد إخضاعه للاختبارات اللازمة التي تضمن أنه جاهز ومتجانس، وعادة ما تكون بعدّة مناطق من الوطن، لاختلاف التربة والمناخ من ولاية إلى أخرى».
كما تجزم شرقي ملّاح بأن مخابر المركز الذي تترأّسه تتسم بالجودة العالية للعمليّات ومجهّزة بأحدث التقنيات، ومُعتمدة من طرف مخبر الجودة «ألجيراك»، وهو ما يزيد من دقة النتائج المتوصّل إليها في كل مرّة.
ولم تفوت المتحدّثة الفرصة، لتثمين قرار الرئيس تبون، باستحداث بنك البذور خلال السنة الماضية وبنك الجينات شهر جويلية المنصرم، وهو الخيار الذي تعتبره خطوة هامة من شأنها المساهمة في تحقيق السيادة الغذائية الجزائرية، في ظرف عالمي صعب يتّسم باستمرار الحرب الروسية الأوكرانية للسنة الثانية على التوالي، إذ من المعروف أن هاتين

الدولتين مُصنّفتان ضمن قائمة أهم مُنتجي القمح في العالم.
ويتواجد بنك البذور بالمركز الوطني لمراقبة البذور وتصديقها، حيث يشتغل بالتنسيق مع كافة المعاهد الفلاحية الأخرى التي يناهز عددها 10، تقول المديرة، كما تنشط مخابر المركز وفق المعايير العالمية وتتوفر على غرف تبريد مُجهّزة خاضعة لكافة الاختبارات اللازمة، ومُراقبة من حيث درجة الحرارة والرطوبة، وشروط حفظ البذور، ويتوفر المركز أيضا على وحدة بحث البذور والأشجار، المدشّنة السنة الماضية.

سنتان من التجريب
أما المهندسة الرئيسية في الفلاحة، رواق ليليا، وهي رئيسة مصلحة اعتماد أصناف المحاصيل الكبرى في الفهرس الرسمي الجزائري، فتوافق المديرة شرقي ملّاح بالقول إن فهرس البذور يتضمّن لحد اليوم 228 صنف، 173 منها صدر مقرّرهم الوزاري بشكل رسمي في الجريدة الرسمية، في انتظار صدور مرسوم جديد قريبا يستكمل بقية العدد، حيث يختبر مهندسو المركز خصوصية ومقومات وجودة ومردودية البذرة الجديدة وقيمتها التكنولوجية والزراعية لمدّة سنتين قبل تسجيلها، إضافة إلى إجراء اختبار التمايز والتجانس والاستقرار.
وتتوقع المهندسة ليليا في تصريح لـ»الشروق» أن يتحوّل الصنف المقترح للتسجيل في الفهرس الرسمي الجزائري، إلى مشروع بذرة ستُسلم للفلاحين الجزائريين للزراعة قريبا في حال نجاح تجاربها، وعادة ما تكتسي هذه الأخيرة قيمة زراعية كبرى، كأن تكون مقاومة للجفاف والأوبئة والأمراض الفطرية من جهة، وتمنح مردودا كافيا من القمح من جهة أخرى، يكون مساويا كأدنى حد للمردود الذي تُحرزه الأصناف الأخرى التي يزرعها الفلّاحون اليوم، أو يضاعفها.
ويتم التأكّد من جودة الصنف وتحمّله للجفاف بعد إخضاعه لعدّة اختبارات في ظروف مناخية مختلفة، دون تدخّل الفلّاح ولا حتّى القيام بالسقي التكميلي، ولا العادي، لأن الهدف من التجريب ضمان نُموّه في بيئة لا يلعب فيها المزارع أي دور، حيث تمنح البذرة مردودا إيجابيا في الطبيعة البحتة، دون رعاية العنصر البشري.
وفي هذا السياق، تمّ إجراء عدّة تجارب في الجزائر العاصمة، قسنطينة، سطيف، سيدي بلعباس تيارت وسعيدة، حيث تم استهداف كل المساحات الممكنة لزراعة القمح لبحث مدى تحمّل الأصناف الجديدة الجفاف وأيضا الأمراض، وتم مقارنة ما تمّ تحصيله من البذور مع ما يزرعه الفلاحون منذ فترة ويُطلق عليه تسمية «الشواهد»، حيث حقّقت معظم هذه التجارب نتائج ممتازة، دون سقي تكميلي ولا رشّ بالمبيدات ولا مضادات الأمراض الفطرية، كما تم تسجيل خصائص متعدّدة لكل صنف.
وتم أيضا بحث القيمة الإضافية التي يمكن أن تحقّقها هذه الأصناف، تقول المتحدّثة، خاصة القمح الصلب، الذي يُعتبر «خُبز المجتمع» وأساس الأمن الغذائي، إذ تبحث التجارب مدى تضمّنه كافة البروتينات اللازمة، ويتم إخضاع الدقيق المستخرج منه لاختبار اللّون، الذي كلّما كان مُصفرّا، ثبت أنّه ذو جودة عالية، ويتم شطب الأصناف التي تُصاب بالتبقّع في السنبلة، ونفس الشيء بالنسبة للقمح الليّن الموجّه لإنتاج الفرينة الذي يُفترض أن يكون سهل العجن، كما يتم مراعاة وزن الحبّة ومردوديتها.
وفي نهاية التجارب، تقول المهندسة ليليا: “إذا كانت النتائج المحرزة أحسن من الأصناف التي يزرعها الفلّاحون عادة، سواء من حيث النوعية أم المردودية أو مقاومة الأمراض والجفاف، يتم الانتقال إلى مرحلة أخرى من التجارب قبل تسجيل البذور بالفهرس، خاصة وأن الهدف بعد ذلك، إيصال أجود أصناف البذور إلى الفلاحين، لينجح هؤلاء في إنتاج أحسن أنواع القمح للجزائرّيين».

اختبارات أخرى لضمان الجودة
وبعد اكتمال الاختبارات الأولى التي تدوم سنتين، يتم إجراء امتحان التجانس والتميّز والاستقرار، لإثبات أن هذا الصنف الجديد مُتميّز عن الأصناف الأخرى للبذور، وسيحمل تسمية خاصة به، وخصائص يتم دراستها، كما يتم إخضاع الصنف الجديد للتنقيط الذي تنتهجه المنظمة الدولية لحماية النباتات، لتوصيف الخصائص النباتية لكل نوع، منذ بداية الحرث إلى البذر والتسميد، ثم بعد ذلك حصد السنابل، وتحديد الخصائص المورفولوجية والفيزيولوجية، لإعداد بطاقة التعريف للصنف وتستغرق العملية سنتين.
ويثبت تجانس واستقرار البذرة، بعد سنوات من الزراعة المستمرة، في حال اتسمت بخصائص ثابتة جينيا مثل طول النبتة ولون الورقة، ويتم رفض تسجيلها إذا ما شهدت أيّ تغيّر، كما يُطلَب من المُتحصّل عليها إجراء تجارب أخرى لتطويرها.
وفي أعقاب كافة هذه الاختبارات، يُحال الصنف الجديد من البذور إلى اجتماع اللجنة التقنية للموافقة عليه، تتكوّن هذه الأخيرة من المدير العام للمعهد التقني للزراعات الواسعة، ومدير حماية النباتات والمراقبة التقنية بوزارة الفلاحة والتنمية الريفية، ومدير المركز الوطني لمراقبة الشتائل والتصديق عليها، وكلّ المديرين المركزيين لوزارة الفلاحة والتنمية الريفية، إضافة إلى المدير العام للمدرسة الوطنية للفلاحة، والمدير العام للمعهد الوطني للبحوث الزراعية، والمديرين العامين للنباتات الأخرى.
ولا تفصل اللجنة في أصناف الحبوب فقط وإنما بذور نباتات أخرى أيضا، كالبطاطا والشتائل، التي يتم امتحان جودتها وخصائصها، وتتكفّل اللجنة الأولى بإخضاع الأصناف المعنية للاختبار المتخصص، إذ تضم خبراء ميدانيين، وجامعيين ومهندسين ومتخصصي التكنولوجيا الغذائية، ويتم ذلك وفق عمل دقيق، كما تشتغل هذه الأخيرة وفقا للمقاييس والمعايير الدولية، لتكون الأصناف المُستحدثة من البذور مُحيّنة ومواكبة لما هو موجود في البلدان الأخرى.
بعد ذلك، يتم تمرير الأصناف الجديدة إلى اللجنة الثانية، التي تضم المُقرّرين، حيث يشتغل هؤلاء بكل شفافية وسرّية، دون انحياز، تشدد محدثة «الشروق»، قائلة: “هؤلاء لا يعرفون حتّى من هو صاحب الصنف ولا تسمية البذرة، يتعرفون عليها برموز سرية نقدّمها للخبراء في اللجنة، ولا نزيل الرمز السري، إلا بعد صدور النتائج النهائية، وتُوجّه في أعقاب ذلك على شكل مقترح مرسوم للأمانة العامة للحكومة، ليُوقّعه وزير الفلاحة والتنمية الريفية، ويصدر في الجريدة الرسمية، حينها فقط «يحقّ للفلاح استعمال البذرة ولصاحب الصنف تسويقه»، مع العلم أن مقرّرا وزاريا صدر منذ سنوات، يحدّد بشكل تفصيلي كيفية فهرسة البذور.

معظم الأصناف الجديدة مقاومة للجفاف
وتكشف المهندسة ليليا أن التجارب المُجراة عبر المركز وبقية المعاهد أثبتت أن معظم الأصناف الجزائرية المسجلة حديثا لبذور الحبوب مقاومة للجفاف، وبنسبة تقريبية أكثر من 80 بالمائة منها، تستطيع الصمود أمام الظروف المناخية الصعبة، وهو ما يستجيب لحاجة الفلاح اليوم، إذ تشهد الجزائر في السنوات الأخيرة شحّا كبيرا في تساقط الأمطار.
ولا يقتصر دور المركز الوطني لمراقبة البذور والشتائل وتصديقها، على تسجيل الأصناف الجديدة فقط وإنما أيضا الاحتفاظ بعينات منها كمجموعة مرجعية، يستعملها المركز دائما في الاختبارات الخاصة بالتمايز، إضافة إلى نشر حصيلة تخصّ شهادة التوصيف لكامل الأصناف، تتضمن أصل البذور، سنة تسجيلها، قدراتها، خصائصها الفيزيولوجية والموروفولجية، والمردودية، والقيمة الفلاحية والغذائية، وهي عبارة عن بطاقة تعريفية، تُوزّع على المهتمين بالفلاحة، بالمراكز التقنية ومعاهد البحث وحتى الفلّاحين عند تنظيم أيام تحسيسية، وذلك بنشر نسخ باللغة العربية وأخرى بالفرنسية لمعرفة الأصناف المُسجلة، وإعلام الفلاح بمزاياها.
كما يتولى المتحصّلون على الأصناف الجديدة، أي أصحابها، عملية نشرها والتعريف بها، على غرار المعهد الوطني للزراعات الواسعة الذي سجّل بالفهرس الوطني الجزائري 40 صنفا من البذور.
ومعلوم أن هذا المعهد يُنظّم حملات تحسيسية وتجارب خاصة ويشتغل مع المزارعين بشكل مباشر، كما يُنظّم أياما دراسية يستدعي فيها المهنيين لشرح الأصناف المُسجّلة والأنواع الجديدة وماذا منحت من نتائج، ومردود وخصائص، وهل هم مهتمون بزرع هذه البذور في شبكتهم الفلاحية؟ وتشجيعهم على تجريب أصناف مُختلفة والتقليل من بعض الأنواع قليلة المردودية.

«واد البارد».. «بوسلام» و»بن بشير».. نفسٌ طويل ونتائج مذهلة
وتمّ تحقيق أعلى نتائج للبذور الجزائرية المسجّلة بالمركز، بولاية سطيف دون سقي تكميلي، حيث بلغ المحصول 80 قنطارا في الهكتار، في وقت كانت النتائج لا تزيد من قبل عن 30 قنطارا في الهكتار كأقصى حدّ، ومعلوم ـ تقول المهندسة ليليا ـ انتهاج المسار التقني الصحيح خلال هذه التجارب، منذ زرع البذرة وتسميد الأرض إلى غاية حصاد المحصول.
وتمّ تركيز التجارب على منطقة الشمال، نظرا لاعتماد المزارعين هناك على طرق السقي التكميلي، حيث يبحث الفلاحون عن بذور مقاومة للجفاف في وقت تقوم الزراعة في الجنوب على السقي الكامل مع توفير كلّ الإمكانيات، وبلغت تجارب زراعة هذه البذور في الجنوب 100 قنطار في الهكتار وهو رقم مرتفع.
وقامت المعاهد الأخرى للزراعات الواسعة والزراعة الاستراتيجية بعدة تجارب على مستوى ولايات المنيعة وأدرار وتيميمون، مع تحقيق نتائج ممتازة، في حين نجح المركز الوطني لمراقبة البذور في تجارب سابقة بمنطقة المنيعة، ولا يستبعد مسؤلو المركز استئناف التجارب بالمناطق الصحراوية مستقبلا.
وعن أهم الأصناف الجديدة للبذور المقاومة للجفاف، تتحدث المهندسة ليليا عن «واد البارد»، «بوسلام» كقمح صلب، و»ماونا»كبذور جديدة للقمح اللين المقاوم للجفاف، ناهيك عن «محمد بن بشير»، «قلوار دو مون قولفي»، «بي دي دي 7»، «واد زناتي»، وهي أصناف جزائرية قديمة، ومتحملة لقلة تساقط الأمطار.
ويُجري الديوان الوطني للحبوب حاليا محاولات لتطوير أصناف محلّية للبذور، بينما يسعى المركز لتسجيلها بمجرد ثبوت نجاحها، بالمقابل، هناك أنواع لم تكتشف بعد، لكنها مُستعملة في جهات محدّدة من الوطن، يُحاول الباحثون تحصيلها.

التهجين ممكن
وفي حال البحث عن استحداث بذور جديدة من أصناف غير مسبوقة، تقول المهندسة ليليا: “يفرض الوضع تهجين الأصناف الموجودة حاليا، عبر جمع الخصائص الإيجابية من صنف أب وأخرى من صنف أم، بطريقة علمية للتحصّل على صنف جديد، يأخذ ميزات غير مسبوقة، وقد تستغرق هذه العملية 5 سنوات على الأقل كما قد تمتد لـ10 سنوات أو أكثر، والهدف ضمان أن يكون الناتج المُحصّل عليه في النهاية مُستقرا من حيث الخصائص، ومتوفّرا على كافة الصفات المطلوبة، التي تجعل منتج القمح ذا جودة عالية جدا سواء كان سميدا، أم فرينة».
ويبقى الباحثون يشتغلون في كل مرة لإزالة الموروثات السيئة من البذرة المُهجّنة، مع العلم أن هذه الأبحاث تُدرس على مستوى معاهد أخرى وليس لدى المركز الوطني لمراقبة البذور.
ويُثمّن رئيس الغرفة الوطنية للفلاحين، محمد يزيد حمبلي، في تصريح لـ»الشروق»كافة البحوث المُجراة في الجزائر لتطوير نوع البذور، سواء عبر تحصيل الأصناف القديمة وتسجيلها أو حتى محاولة بعض الباحثين تهجين أصناف جديدة مقاومة للجفاف والأمراض وذات مردودية عالية، خاصة بذور الحبوب، وبالدرجة الأولى القمح الذي يعتبر بمثابة بارومتر تحقيق الأمن الغذائي.
ويصف المتحدث قرار السلطات باستحداث بنك بذور خطوة هامة نحو طريق السيادة الغذائية الجزائرية، لاسيما وأن همّ الفلّاح الأوّل اليوم يكمن في كيفية تحصيل بذور ذات مردودية عالية ومقاومة للأوبئة والأمراض، إذ يتسنّى له معرفة أنواع البذور وخصائصها بمجرد الاطّلاع على السجل الوطني الذي يتضمّن مميّزات كافة الأصناف الجديدة والقديمة.

مزارعو الحبوب يتحدّون الجفاف
ولأن منتجي الحبوب في الجزائر يصطدمون بعائق الجفاف، يرى رئيس المجلس المهني لشعبة الحبوب غاني بن علي، أن أحد أهم أسباب تراجع محصول القمح في السنوات الأخيرة، وعزوف فلاحين في مناطق مختلفة من الوطن عن زراعته هو الخسائر التي تكبّدُوها خلال المواسم الأخيرة جرّاء شُحّ تساقط الأمطار.
ويدعو غاني إلى تمكين أكبر عدد للمزارعين من الظفر بالبذور المقاومة للجفاف، مذكّرا بأن تحصيل هذه الأصناف من مهام معاهد البحث في الجزائر التي تتكفّل بإجراء الدراسات والتجارب اللازمة.
وينحصِر دورُ الفلّاحين، بحسب المتحدث، في تنفيذ سياسة الدّولة في الميدان والاجتهاد لتحقيق أعلى مردودية مُمكنة، وعلى مستوى الولايات، يُحصي رئيس المجلس المهني لشعبة الحبوب بعض التجارب لزراعة أنواع مُقاومة للجفاف لاسيما القمح، حيث حقّقت هذه الشعبة نتائج مُبشّرة، بالمقابل، يتداول معظم الفلاحين اليوم، بحسب المتحدث، 20 صنفا فقط من البذور لزراعة القمح الصلب، و11 أخرى للقمح الليّن و5 للشعير والتريتيكال والخرطال.
ويتمّ اختيار أصناف البُذور بحسب خصوصية كل منطقة، منها ما هو مقاوم للجفاف بالولايات الأقلّ تساقطا للأمطار، ومنها المقاومة للأمراض والصدأ، ويضرب أمثلة بأهم السُلالات المتداولة لدى الفلاحين، على غرار «سيميجيو» و»شاناس فيترون» و»سيميطو» و»واد البارد» و»بوسلام».
وتعتمد زراعة القمح في الجزائر إما على السقي الكامل بولايات الجنوب أو السقي التكميلي بولايات الشمال، في وقت تبقى المناطق المعنية أكثر بإنتاج القمح هي أدرار وتيميمون والمنيعة وورقلة ووادي سوف وجنوب خنشلة وبسكرة والبيّض وسعيدة وبنسبة قليلة بشار وتندوف، أما بالولايات الشمالية، فتمتد مزارع القمح من تلمسان إلى تبسة بنسب متفاوتة، إضافة إلى الأغواط والجلفة والولايات السهبية الكبرى مثل سطيف وبرج بوعريريج، ناهيك عن تيبازة والبليدة وتيزي وزو.
من جهته، يرى الخبير الفلاحي، زان يحيى، بأن زراعة القمح بكل أصنافه، تحظى بمكانة إستراتيجية في النظام الغذائي الجزائري والاقتصاد الوطني عموما، وأوعز تراجع المحصول خلال الموسم الفلاحي 2020/ 2021
بـ36 بالمائة، مقارنة بموسم 2019/2020، حيث كانت مردودية في حدود 14.3 قنطار في الهكتار، إلى قلّة الأمطار والجفاف الذي أصاب الجزائر، مع انخفاض مردودية البذور في الهكتار الواحد ببعض المساحات، والزراعة في المناطق الضعيفة وغير المنتجة من طرف بعض الفلاحين، ناهيك عن غياب التقنيات الحديثة لدى الكثير من المزارعين، وضُعف أداء بعض مسيّري المستثمرات الفلاحية وعدم استعمال الأسمدة والمواد الفلاحية بما فيه الكفاية، ورغم ذلك يستمر المزارعون في حرث الأرض وبذرها طمعا في محصول وفير، على حد تعبيره.
واغتنم زان يحيى الفرصة ليُثمّن الخُطوة الأخيرة لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون عبر القرار الصادر في مجلس الوزراء بتاريخ 1 أكتوبر الجاري، القاضي بتوفير البذور والأسمدة مجانا للفلاحين المتضررين من الجفاف خلال الموسم الماضي.

طماطم وفاصولياء مقاومة
وإضافة للقمح وبعض أصناف الحبوب، يكشف رئيس الاتحاد الوطني للمهندسين الزراعيين، منير أوبيري، في إفادة لـ»الشروق» عن تطوير أنواع جديدة للخضر المقاومة للجفاف في الجزائر، على غرار الطماطم والفاصولياء، إذ إن بذور هذه النباتات تمتلك طاقة عالية لتخزين الرطوبة لتحمي نفسها من مرحلة الاحتياج المائي، وتؤهلها هذه الخصائص لتحمّل ظروف مناخية قاسية.
ونجحت العديد من التجارب الميدانية، يقول أوبيري، لتطوير البذور المحلية المقاومة للجفاف والأمراض، بإشراف المعهد التقني للزراعات المعيشية.
ويضرب المتحدث مثالا بنبتة الفاصولياء التي حققت نتائج مُبشّرة، على غرار صنف «بينيا» المشتهرة بمنطقة جرجرة، و»ايكوتيب» بتيزي وزو، و»كوكو دو براڨ»، «بور»، «البروفيت»، «سيدي فرج»، وهي أصناف بذور أُدخلت عليها تجارب عديدة، وأظهرت قدرتها على مقاومة الجفاف، بإشراف المعهد التقني ذاته، أما بالنسبة للطماطم، فقد حقق صنف «تادلاغروج» بولاية أدرار نتائج ممتازة.
ويعتبر أوبيري قرار الحكومة باستحداث بنك للبذور وبعده بنك للجينات خطوة تاريخية، سبق وأن اقترحها اتحاد المهندسين الفلاحيين سنة 2021، إلا أن الأهم اليوم، بحسبه، جمْع السلالات القديمة للبذور المنتشرة بمختلف
مناطق الوطن، عبر حملة تحسيس واسعة تستهدف الفلاحين والمرأة الريفية بالدرجة الأولى، وعند استكمال عملية الجمع، ينصح المتحدث بإخضاع هذه البذور للتعديلات الجينية اللازمة وتطويرها في المعاهد التقنية والمزارع النموذجية، ويندرج ذلك ضمن مخطط توفير الغذاء المستدام للمواطنين.
ويعتقد منير أوبيري أن أبحاث بنك البذور والجينات المستحدثين، قد تستغرق 10 سنوات للتمكّن من جمع مختلف الأصناف والجينات النباتية والحيوانية التي تعتمد عليها الدولة لبلوغ السيادة الغذائية، وهو أمر منطقي بحسبه، «فالنتائج لن تظهر بين ليلة وضحاها»، مثلما يقول.

حرب عالمية للظفر بالبذور
وتأتي كل هذه الجهود في سياق عالمي صعب، حيث تستحوذ 10 مؤسسات دولية على 75 بالمائة من السوق العالمية للبذور برقم أعمال سنوي قدره26 مليار دولار، يقول رئيس المنظمة الوطنية للأمن الغذائي، كريم حسن، في إفادة لـ»الشروق».
كما أن صناعة البذور تطوّرت بشكل غير مسبوق، خلال الـ15 سنة الماضية من خلال مشاريع جديدة للمؤسسات الناشطة في مجال الكيمياء والكيمياء الزراعية، بحسب كريم حسن، مُؤكّدا أن 3 من بين هذه المؤسسات الـ10 تنشط في مجال الكيمياء الزراعية وتستحوذ على 53 بالمائة من السوق العالمية، ويدلّ ذلك على الأهمية الاقتصادية التي تحتلها سوق البذور.
واستوردت الجزائر سابقا حوالي 95 بالمائة من احتياجاتها من البذور من الخارج، عبر شركة «أ سي آي»، يقول كريم حسن، نقلا عما هو منشور بالموقع الإلكتروني للشركة، التي ساهمت في الماضي في تزويد السوق الوطنية بمختلف أصناف البذور وأنواعها، مع توسيع سوق زراعات الأعلاف والتركيز على اختيار الأصناف ذات المردودية العالية وملاءمتها لخصائص التربة والمناخ في الجزائر ومراعاة انشغالات الفلاحين.
وكانت الجزائر إحدى أكبر الدول استيرادا للبذور في العالم، قبل استحداث بنك البذور سنة 2022 وبعده بنك الجينات، اللذين جاءا تنفيذا لأوامر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، حيث رسمت «الجزائر الجديدة» خطّة إعادة صياغة ملامح السياسات الزراعية بدءا من العام 2020 بطريقة مخالفة لتلك التي تبنتها الدولة منذ عشرات السنوات، خاصة وأن الجزائر في السابق كانت عبارة عن مختبر هائل تُجرى فيه أكبر عدد من التجارب، منذ حقبة الاستعمار الفرنسي.
ورفعت «الجزائر الجديدة» تحدي إنتاج البذور بفعالية وكفاءة من خلال التركيز على البذور المحلية الأصلية التي أثبتت التجارب أنها ذات مردودية وجودة عالية وأدركت أهمية الاحتفاظ بها بإنشاء بنك البذور للمحافظة على الجينات الوراثية للسلالات المحليّة التي لها خاصية مكافحة التأثيرات الضارة للجفاف ومقاومة المخاطر المناخية والملوحة̜. ويستغني بذلك المشروع الفلاحي عن السقي بالأمطار، حتى لا يكون الجفاف العامل الرئيسي المُحدّد للمردود في المناطق الجافة والشبه الجافة، وحتى لا تحتاج العملية في حال زرع بذور مقاومة للجفاف لتوفير كميات كبيرة من مياه السقي، رغم أهمية تقنيات متعددة تطوّرها السلطات اليوم، كإعادة الاعتبار لمياه الصرف وتوجيه مياه الأودية لتجديد المياه الجوفية والسقي الذكي.
وتسعى الحكومة عبر وزارة الفلاحة والتنمية الريفية إلى تطوير بُذور مقاومة تفي بتحقيق الاكتفاء الذاتي، أما في الماضي، فلم تحظ البذور بتقدير كافٍ من قبل القائمين على القطاع، حيث تمّ تسجيل وقتها ضعف كبير في مردودية القمح التي لم تتجاوز في بعض الأحيان بسبب الجفاف 6 قنطار في الهكتار، في حين كان من المفروض أن تبلغ المردودية 80 قنطار في الهكتار.
وأرجع المُتحدّث ذلك إلى عدم تكيّف الأصناف المستوردة مع المناخات والأمراض الخاصة بمناطق معينة، وهو الأمر الذي أدّى إلى حصاد كارثي وقتها، في ظلّ ضُعف الاعتماد على التكنولوجيا.
ويجزم كريم حسن بأن الأصناف المستوردة أقلّ شأنا من تلك القديمة التي توارثها أجيال الفلاحين الجزائريين، حيث تسبّبت سياسة الاستيراد في هجر الأصناف القديمة، التي كانت غنيّة بالجينات المقاومة للجفاف والأمراض ولها خصائص نادرة.
ويُثمّن المتحدّث في سياق الحلول المقترحة لتحقيق الأمن الغذائي، مساعي السلطات لتطوير سياسة إنتاج البذور المقاومة للجفاف في الجزائر، من خلال تسجيلها بأسماء المُتحصّلين عليها، وتطوير أخلاقيات علم الأحياء ومراقبة المواد الكيميائية في مجال الصحة النباتية لمكافحة الأمراض، كما يقترح المُتحدث إنشاء المجلس الوطني الأعلى للفلاحة وعمادة المهندسين الزراعيين الجزائريين.
ختامًا، تظلّ السيادة الغذائية وحتى المائية للجزائر ضرورة ملحّة ومسعى لا تغفل أعين السلطات عنه، هذا الهدف لن يتحقّق في أيّ دولة دون ضمان مخزون استراتيجي كاف من الحبوب، خاصّة القمح بمختلف أنواعه، مع الحفاظ على الموارد المائية قدر الإمكان، وهو الأمر الذي بات ممكنا في بلادنا بفضل التجارب الجديدة والبحوث العلمية لتطوير سلالات بذور قادرة على ضمان مردودية أعلى واستهلاكا أقلّ للماء.. ويتطابق ذلك مع الالتزام رقم 18 لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في برنامجه الانتخابي سنة 2019، الذي حمل عنوان: “وضع خطة استعجالية لتحديث الزراعة: ضمان الأمن الغذائي وتلبية الاحتياجات الوطنية».
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: من داخل "بنك البذور".. " وكالة بصمة للاخبار " تنشر جديد الأبحاث الزراعية: القمح المقاوم للجفاف.. ملاذ الجزائر لتحقيق السيادة الغذائية Description: Rating: 5 Reviewed By: وكالة بصمة للاخبار
Scroll to Top